أم زعزع .. بطلة كل قصة

أم زعزع .. بطلة كل قصة

د. سلام نجم الدين الشرابي

تحسبها هينة لينة واللين منها براء .. هذه أم زعزع بطلة كل قصة ترويها. لا عليك من خلفيتها الثقافية أو التعليمية، لكنها تملك قدرة على قص الحكايات التي تمتد لساعات طويلة من الزمن، تبدأ معك بسرد الشخصيات ومشاعرهم، وردّات أفعالهم، وتطيل المكوث هنا فهذه لعبتها، الشخصيات كلها إما مضطربة خائفة قلقة، أو مدهوشة من بطولاتها الفريدة، فهي بالمقابل الشخصية الواثقة من نفسها التي لا تخطئ في تصرفاتها أو حتى توقعاتها، ومن يستمع لكلامها فهو الرابح المنصور، ومن لا يلقي لكلماتها بالا ًخاسئ خاسر يعود أدراجه نادماً صاغراً.

  التنبؤ بالأحوال الجوية

 كانت الأسرة تعد العدة للخروج في نزهة جميلة. وكل شيء تقريباً قد تم تجهيزه، أخرجت أم زعزع رأسها من الشباك ونظرت نظرة ثاقبة إلى السماء، ثم حركت أرنبة أنفها يميناً وشمالاً، ثم شمالاً ويميناً.. وبسرعة البرق الذي تعتقد أنه قادم لا محالة ركضت باتجاه أسرتها: توقفوا. لا يمكننا الذهاب اليوم في نزهة، فإني أشم رائحة المطر وأرى التماعات البرق قادمة لا مناص.

 ورغم أن أحد من أفراد الأسرة المكونة من 7 أشخاص عدا أم زعزع، لم يشم رائحة المطر، أو يستشعر قدومه إلا أن الثقة التي تتكلم بها أم زعزع جعلت العائلة تلغي فكرة النزهة، وتقبع في المنزل منتظرة المطر.

 

 صدق النبوءة!

 وبينما العائلة مجتمعة ترقب هطول المطر من خلال النافذة، وإذ بقطرات ماء تبلل النافذة. أخرجت أم زعزع رأسها من النافذة فأصابها ما أصابها من الماء، فيما احتفت الأسرة بصدق نبوءة أم زعزع فلولا أنها شمت رائحة المطر لكانوا الآن في ورطة.

 

وبعيداً عن نافذة أم زعزع لا مكان للمطر، إذ إن الماء الذي رأته أم زعزع وعائلتها كان يتساقط من سجادة الجيران الذين استغلوا يوماً مشمساً كهذا لغسل السجادة ونشرها على قضبان الشرفة.

 

 فراسة أم زعزع

 

لأم زعزع قدرة على تحليل الشخصيات، فهي بحسب قولها لديها فراسة لا مثيل لها، تفترس من تراه بعينيها فتقرأ أفكاره وتكسيه صفات بحسب رضاها عنه وتفاعله معها، فإن كان ودوداً خدوما كريماً معها ومع من تحب، فهو الشخصية الجميلة الخلوقة الكريمة، و..و..و..و..، وإن كان معها على غير ما تحب، كان الشخصية اللئيمة الخبيثة الكاذبة وووو!.

 

ولا يعي أم زعزع أن تجد حلاً للشخصيات التي تكون بحسب ما تحب، ثم تتغير وتنقلب، إذ تقول حينها كنت أعلم حقيقه هذه الشخصية لكني لم أفصح لأحد، واحتفظت بذلك لنفسي حتى ترونها رؤيا العين، فيما لها مخارج أخرى لحالات أخرى مختلفة.

 

نادتها يوماً إحدى جاراتها لتساعدها في اختيار عروس لابنها؛ لأن أم زعزع قد تحدثت عن فراستها بما يكفي، وحصل النصيب بتزكية أم زعزع.

 

 والنتيجة؟

 الفتاة لم تكن كما اعتقدت أم زعزع، ولعل الزواج كما يقال كالبطيخة لا يعرف لونها إلا بعد شرائها وتقطيعها، إلا أن أم زعزع التي تأبى الاعتراف بالخطأ، أو حتى التحدث بواقعية! قالت: إن من قصدتها بالمدح أختها الأخرى وليست هي، وأن أم العريس من فهمت كلامها خطأ واستعجلت الخطبة!

 

 استشراف المستقبل

 ملكة استشراف المستقبل لدى أم زعزع تؤهلها لتشارك في وضع الخطط المستقبلية لدول بأكملها، تهندس حياة أفراد أسرتها وفق استشرافها، وإن كان لأحدهم رأي آخر، استشهدت بقصص سابقة كتلك القصص التي ترويها بأن من صدق باستشرافها وتبع نصائحها هو الآن في نعيم ورغد، أما الذي لم يصدقها فقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت.

 

المفارقة الجميلة أن من يدقق فيمن ساقتهم كأمثلة، قد يجد العكس تماماً. فمن خالفها فاز ونجح، ومن تبعها خاب وضاع، ولكن ولأنها قاصة من الدرجة الأولى، فهي تستطيع حبك الأمور على غير حقيقتها، وإكساب الشخصيات أدوارا أخرى طالما أنها المؤلفة. فلن تحرم نفسها من أدوار البطولة المطلقة، والكل بعدها كومبارس، أما من تكرهه فيأخذ دائماً دور الشرير الهمجي الذي يفتقد الحكمة والتعقل.

  أحلام أم زعزع

 ما تراه أم زعزع في منامها هو ما يحصل لا محالة، هكذا تقول وغالباً لا تروي حلمها قبل حدوثه على أرض الواقع، وإنما ترويه بعد أن يحصل وينتهي، فتكون البداية والنهاية قد تجلت لها، فيسهل تأليف الحلم وشخصياته، وأحياناً تبقى الأحداث معلقة في الواقع، وبالتالي تبقى معلقة في الحلم، وهذا يعني أن أم زعزع استيقظت قبل نهاية الحلم. ولكن هذا لا يمنع من أن تضع أم وزعزع في نهاية روايتها لحلمها كلمة ;يتبع…;.

   

أم زعزع شكلين ما بتحكي 

أم زعزع امرأة لا أحد يستطيع إنكار ذلك، ولكنها وحسب ما تروي من حكايات أقوى من عنتر زمانه، فهي في أحد قصصها واجهت جيشاً عرمرماً كان يريد أن يؤذي أحد أفراد قبيلتها، فتصدت له بكل ما تمتلك من قوة وحنكة، وبكلمة واحدة قلبت عاليه سافله، فعاد كالعرجون القديم.. لا قبيلتهم ينبغي لها أن تدرك قبيلتها، ولا كلمتهم سابق كلمتها، وكل في فلك يسبحون، بل ولم يقف الأمر عند ;كل في فلك يسبحون; وإنما ساد الوفاق والوئام بين الطرفين، وعاشوا في تبات ونبات، و خلفوا صبيان وبنات.

 

هكذا تمضي الحياة مع أم زعزع، ولا أحد يدري إن كانت أم زعزع تصدق نفسها، أم أنها تستغبي سامعيها. وإلى مزيد من القصص والمواقف يا أم زعزع.

 

نسيت أن أخبركم ان أم زعزع ومنتجاتها تنال استحسان كل قريب وبعيد h; بحسب قولها- فهي الطاهية رقم واحد، والمستشارة رقم واحد، والمدبرة رقم واحد، ورقم واحد في الرقم واحد!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

×

Well, tough luck!

لقد وصلت إلى الأكاديمية الملكية للكتابة الساخرة، حيث نحول كل مأساة إلى كوميديا! هل أنت مستعد لاتخاذ خطوتك الأولى في عالم الكتابة الساخرة الاحترافية

× إذًا، في أي ورطة وقعت هذه المرة؟