تحتل “القطعة الدعابية” أو Prop Piece مكانة مركزية في البنية الجمالية والاتصالية للبرامج التلفزيونية الساخرة، إذ تُستخدم الأشياء المادية مثل الساعة، السيارة، الميكروفون القديم، أو صندوق البريد، بوصفها أدوات رمزية تعزز الرسالة النقدية وتضيف طبقة دلالية لا تحققها اللغة وحدها. هذا الأسلوب ليس ترفاً بصرياً، بل هو جزء من استراتيجية خطابية مدروسة، أشار إليها باحثون مثل جوناثان غراي Jonathan Gray وجيفري جونز Geoffrey Baym وفيرونيكا توم Veronica Tome في دراساتهم حول السخرية البصرية وتلفزيون الهجاء.
تشير الدراسات إلى ان توظيف الأداة المادية في السخرية يشكل ما يسميه غراي “لغة بديلة تتجاوز الإحالات اللفظية” لتخلق نوعاً من الاقتصاد الرمزي الذي يتيح للبرنامج الساخر إيصال رسالة سياسية او اجتماعية معقدة عبر عنصر ملموس واحد. في كتابه Satire TV الذي يعد مرجعاً اساسياً في فهم السخرية التلفزيونية، يؤكد Baym ان السخرية الحديثة لا تبنى على الحوار فقط بل على “Multimodal Satire” أي السخرية متعددة الوسائط، حيث تتعاون الكلمة مع الصورة والحركة والشيء لتكوين خطاب نقدي متكامل.
الساعة بوصفها استعارة للبطء والفساد الناتج عن البيروقراطية
في العديد من البرامج الساخرة الغربية، وخاصة The Daily Show وLast Week Tonight، تستخدم الساعة كأداة ساخرة ترمز إلى ان الزمن يتحرك بينما المؤسسات لا تتحرك.
هذا الاستخدام يشار إليه في الأدبيات النقدية بوصفه “Visual Parody of Inefficiency” اي محاكاة ساخرة بصرية لعدم الكفاءة.
في دراسة نشرت بمجلة Television and New Media عام 2020، توضح الباحثة Lauren Feldman ان استخدام الأشياء الزمنية مثل الساعة والمنبه يسهم في “تحويل المفهوم المجرد للبطء الإداري إلى شيء محسوس يدركه الجمهور فوراً”.
تستخدم المركبات في البرامج الساخرة كأداة رمزية تسخر من المفارقات بين الوعود السياسية والظروف الاجتماعية.
في برنامج John Oliver مثلاً، تظهر السيارة المحطمة او المتعطلة بوصفها استعارة للدولة عندما ينهار نظام معين او تفسد مؤسسة عامة.
ترى الباحثة Sophia McClennen في كتابها Colbert’s America أن توظيف السيارة في السخرية يعيد صياغة النقد عبر “object-based irony” أي المفارقة المعتمدة على الشيء، حيث لا تقول السخرية ما يجب قوله، بل تترك للشيء نفسه ان يتكلم.
تتفق الدراسات الغربية على ان للأشياء في السخرية ثلاث وظائف جوهرية:
الأداة المادية تخرق توقعات المشاهد وتعيد ضبط انتباهه.
يرى Gray ان “الشيء الساخر” يخلق لحظة من التوتر المعنوي والمرئي، تجعل المتلقي شريكاً في تأويل الرسالة وليس متلقياً سلبياً.
الأشياء تختصر خطاباً سياسياً او اجتماعياً معقداً في صورة واحدة مكثفة.
Baym يشير إلى ان هذا النوع من التكثيف يجعل السخرية اكثر عمقاً وتأثيراً من الخطاب المباشر.
الأداة المادية تتيح للبرنامج ان يبني “Double Irony” أي مفارقة على مستوى الكلام ومفارقة على مستوى الشيء.
وهذا ما يجعل السخرية متعددة الطبقات، قادرة على كشف التناقضات الاجتماعية والسياسية بأدوات بسيطة ولكن فعالة.
يشير الباحث Ethan Thompson في كتاب Parody and Taste in Postwar American Television إلى ان Prop Pieces تمثل “Embodied Satire” اي السخرية المتجسدة، لأنها تمنح الجسد البشري شريكاً مادياً يعزز الأداء الكوميدي.
فعندما يمسك المذيع الساخر ساعة قديمة او سيارة لعبة، فإنه لا يقدم فقط خطاباً نقدياً، بل يجسد المفارقة بيده وجسده.
هذا التجسيد يجعل الرسالة اقرب الى الإدراك الحسي ويضاعف تأثيرها العاطفي.
الأداة المادية ليست مجرد عنصر مرافق للنص، بل غالباً ما تُبنى عليها “القفلة” النهائية التي تغيّر المعنى كله.
في تحليل نشرته Journal of Humor Studies، يشير الباحث Michael Billig إلى ان استخدام الأشياء في القفلات الساخرة يحقق ما يسميه “Reversal Shock” اي صدمة الانقلاب، حيث يتحول الشيء في اللحظة الأخيرة إلى دليل إدانة للحدث او المؤسسة المستهدفة.
هنا، لا تكون السخرية مجرد عرض لشيء مضحك، بل بناء حبكة كاملة تنتهي بفضح التناقض من خلال الأداة نفسها.
توضح Veronica Tome في دراسة عن الخطاب الساخر ان Prop Pieces توفر “مساحة قانونية آمنة” للبرامج الساخرة، لأنها تعتمد على الرمز لا التصريح، وعلى التلميح لا الاتهام المباشر، ما يسمح للمؤسسات الإعلامية بتجاوز اتهامات التشهير بطريقة إبداعية.
وبهذا تصبح الأداة المادية ليست فقط تقنية كوميدية، بل تقنية قانونية أيضاً.
نحو فهم عربي للسخرية القائمة على الأشياء
في السياق العربي، تبقى Prop Pieces أداة غير مستغلة رغم قدرتها الكبيرة على إيصال الرسائل النقدية بطريقة ذكية وغير مباشرة.
إدماج الأشياء في السخرية العربية قد يفتح باباً لتطوير خطاب ساخر اكثر مهنية وأكثر قدرة على خلق طبقات دلالية جديدة، مع الحفاظ على الحساسية الثقافية المحلية.
Jonathan Gray, Watching with The Simpsons: Television, Parody, and Intertextuality
Jonathan Gray, Jeffrey Jones, Ethan Thompson (eds.), Satire TV: Politics and Comedy in the Post-Network Era
Geoffrey Baym, From Cronkite to Colbert: The Evolution of Broadcast News
Sophia McClennen, Colbert’s America: Satire and Democracy
Michael Billig, Laughter and Ridicule: Towards a Social Critique of Humor
Veronica Tome, studies on multimodal political satire, Television and New Media Journal
Lauren Feldman, research on visual satire in political comedy, Television and New Media
Ethan Thompson, Parody and Taste in Postwar American Television
لقد وصلت إلى أكاديمية الإعلام الساخر، حيث نحول كل مأساة إلى كوميديا! هل أنت مستعد لاتخاذ خطوتك الأولى في عالم الكتابة الساخرة الاحترافية